الأربعاء، 9 يوليو 2008

المهندس عيد ويومنا السعيد


المهندس عيد يعمل في أحد الشركات الضخمه ذات الأصول العتيقه وقد بلغ العقد الخمسين من عمره أنعم الله عليه بالخلف الصالح يدرك حتمية الإيمان بالله والرضا بالمقسوم فهو راضي وأنا بالمثل راضي فتعالوا معا نتعلم من المهندس عيد كيف نرضى ونعمل ونستفيد ؟.
اسمع ضجيج سيارته المتهالكه القادمه من أدغال المدينه ألقي بنظري من النافذه أراه قافزا من باب السياره ممسكا بالشنطه العتيقه التي تجمع كل محتوياته ثم يتجه صوب بوابة المصنع بخطوات واسعه فأعود أنا إلى مكتبي منهمكا في الإنتهاء من الأعمال المتروكه من الأمس القريب اسمع بحة صوته حين يلقي السلام على المكاتب التي يمر عليها وقلمي يسرع في الإنتهاء من حاجياته كلما اقتربت خطوات أقدامه.

يضرب الباب بيده فاتحا إياه ينظر إليا ويلقي تحية السلام فأقم واقفا كما تعلمت قديما بالمدرسه ثم أبتسم بوجهه مرددا السلام ثم أقعد حالما أراه جالسا على كرسيه ونبدأ باختلاس النظرات فهو ينظر ماذا أفعل من الصباح الباكر وأنا أنظر له متربصا لسؤاله وما إن تمر عدة دقائق حتى أجد المهندس عيد منهمكا في فتح حقيبته وإخراج ما بها كنت أظن أنني سأجد مجموعه من الكتب والأدوات الهندسيه ولكنني فجئت عندما وجدته يخرج من حقيبته كيس ضخم به مجموعه من الأطعمه التي أهلكها الطريق فأصبحت متداخله مع بعضها ثم يبحث عن درج خاوي يداري فيه هذه المتعلقات وما إن ينتهي الأمر حتى أجد عامل البوفيه مطرقا علينا الباب فيدخل محضرا معه كوبا من الشاي يلازمه حتما كوبا من الماء البارد الذي إن لم يكن موجود يقوم المهندس عيد بتوبيخه وكأنه فعل جرم أدبي، ثم يذهب عامل البوفيه وما إن ُيغلق الباب يشرع المهندس عيد في التهام وجبة الإفطار محتسيا كوب الشاي لتسمع مع كل رشفة شاي معزوفة أوبراليه أتحدى أي شخص أن يكون قد سمعها قبل ذلك وعند إنتهاء فاصل العزف المنفرد أجده يبحث في الحقيبه مرة أخرى.

فاتسائل ماذا ياترى يبحث عنه المهندس عيد؟..


ويلي إنها الجريده - نعم الأهرام اليوميه - ها هي الأربعون صفحه، الإعلانات المبوبة ثم بريد القراء يتبعه الصفحه الدينيه ثم الرياضيه وهنا عمود صلاح منتصر وخلفه كلمات أنيس منصورثم صدق أولا تصدق ويحى أدركني يالله إنها لعبة المربعات البيضاء التي تحيطها بقع سوداء نعم الأعمده الأفقيه والرأسيه إنها الكلمات المتقاطعه يا إلاهي هل يعقل هذا؟! فأجد نفسي مستغرقا في التفكير ماهذه الأمور وما عساي أن أفعله ؟؟ إلى أن يوقظني ساعي البريد الجامع لأعمال الصباح فألقاه بالترحاب وأتسلم منه أعمالنا وابدأ في فحص ومتابعة ألأوراق الى أن يحين منتصف اليوم وانا مستغرقا حتى أذناي في الإنتهاء منها وتنظيمها وجمع محتوياتها والمهندس عيد مستغرقا معي أيضا لكنه مستغرقا في لغز العمود التاسع مع الصف السادس وماذا تعني كلمة الليكود -"معكوسه" أو "مضروبه" او" مجموعه" -عفوا أعزائي فأنا لاأعلم قوانين هذه اللعبه ولا معاني كلماتها ولكنها خلاصة نظراتي المستهتره يوما ما عليها.

يحين ميعاد صلاة الظهيره يدخل علينا أحد زملاء المهندس عيد وهو ينظر مبتسما إلي وأنا لا أزال أتابع عملي فيردد بعض الكلمات التي تشحذ من معنوياتي ثم يلتفت إلى المهندس عيد وقد أنهكه كثرة التفكير في معنا لكلمة "ليكود" فيقول له"الصلاه ياحج" يقوم المهندس بعد أن خلع كل مايمكن أن تبله ماء الوضوء فيذهب الهمام إلى مايسمونه الحمام يتوضأ ويذهب الى المسجد و كأحد المرات القلائل التي أتبعه فيها أجده يدخل المسجد يصلي ركعتين ثم يشرع في قراءة بعض الايات القصيره قبيل أذان الاقامه ثم ينتخبونه المصلين إماما لهم؛ فقد نسيت أعزائي ان أحدثكم عن الجانب الديني للمهندس عيد فهو ملتحي بنطاله قصير زاهد لأبعد الحدود ومالعجب فهو تخرج من مزيج كليات أزهريه وهندسيه ومعاهد فنيه.


المهندس عيد يتقدم المصلين فيحسن الإمامه ثم يذهب بعيدا ربما ليقضي صلاة السنه في حين انصرف انا بعد الصلاة مباشرة وأزاول عملي حتى يأتيني فيطرق الباب فأنظر له وعلامات الهدوء على وجهه كادت تقتلني

يقترب مني متسائلا ماذا تفعل الأن ايها المهندس الصغير؟ فأرد قائلا لاشئ فقد أنهيت معظم أعمالي وانا أعمل الأن على ترتيب حاجياتي التي انتهيت منها يهدهد بيده على كتفي ويقول عظيم أتوسم فيك بعض النجاحات فأبتسم انا الأخر وداخلي غير سعيد على الأطلاق فقد أثقلتني ايها الشيخ الكبيربواجبات لم أطق عليها ولكن لمدى حبي وقدومي على العمل الجاد أجد بعض المتعه واعتقد انها لن تستمر طويلا ريثما يدخل هذا الامر ضمن الروتينيات.

يعود المهندس عيد ثانية إلى مكتبه يرفع سماعة الهاتف متحدثا " كوب من الشاي يلازمه كوب من الماء ياعم سيد" وما إن تعود سماعات التليفون إلى وضعها الأصلي إلا وقد وجدت عم سيد ينقر الباب محضرا كل ما تمناه المهندس عيد وعيني تزداد بريقا وعقلي يحدثني أأأه فهمت الان سيبدأ العمل ولكن خيبة الظن ترافقني فقد علمت انه حان ميعاد وجبة الغداء حين سمعت خربشات الكيس الممتلئ بالطعام عن اخره وقد فُتح ثانية


ويلي هل يعود المهندس عيد لنفس الدائره لكن تصفعني عيناي بلطمة أخرى على وجهي حين أرى الزملاء الذين رافقوه بعد الصلاة وهم يدفعون الباب فهم جياع قائلين له لن تخلف وعدك ياحج والحج فمه ممتلئ بالأكل يشير بسبابته لا تفضلوا ويكاد الأكل يقفز من فمه متجها إليا فالان قد أدركت عما كانوا يحدثونه بعد انتهاء الصلاة انه كان يعدهم بوجبة من الطعام البيتي الممتلئ بالخيرات


اعود منطويا ألى حسوبي وانا كلي علامات تعجب اتصفح أحد الكتابات القديمه التي نشرتها على صفحات الانترنت فقد أنهيت عملي بالشكل الذي يرضيني لكن أُذني لاتستجيب لما افعله فهي صممت على أن تكون بالقرب من المهندس عيد وزملائه الجياع وهم يتذوقون مدى حلاوة الطعام لكن الامر ياساده يؤكد لي عكس ذلك تماما فهل يعقل ان لاختلاط المأكولات ببعضها مذاق ووضعها بشنطه بلاستيك من الأساس أمرا يحتمل التذوق ؟

ينتهي اجتماع الغداء وقد أصبح مكتب المهندس عيد عباره عن مطبخ ملطخ ببواقي الطعام والماء المتساقط على أحرف المكتب وأكواب الشاي المنتشره هنا وهناك.

يإللاهي انه لم يصبح مكتبا فكيف وإن دخل علينا مديرنا العمومي ماذا سيقول وماذا عليا فعله هل أرفع السماعه وأدعو عم سيد عامل البوفيه ليبيد هذا المكتب أوله عن أخره.. لا لا استطيع عمل ذلك.. فالمهندس عيد فاتحا جريدته مستكملا عمود الكلمات المتقاطعه باحثا عن معنى لكلمة *ليكود - معكوسه*.. تنقضي فترة الظهير والمهندس عيد مستلقيا على المكتب عيناه حائره قلمه يتحرك لاعلى ولاسفل أظن ان هذه الكلمة انهكته والوجبه أصابته بتخمه عقليه .

أسمع تكبيرات أذان العصر فينقبض قلبي أسدل سريعا صفحاتي أسفل شاشة الحاسوب منتظرا استيقاظ المهندس عيد من ثباته العميق او تفكيره الدقيق فأجد ذراعه تبدأ بالحركه هذه اليمني تزيح مجموعة من الورق الى يمناه وهذه اليسرى تزيح مجموعة من الاوراق الى يسراه ثم يغلق الدرج الذ يواري فيه بقية طعامه اليومي يلملم حاجياته في الحقيبه يقم واقفا يترجل يمينا ويسارا ويمضي ألى خارج الحجره بعد أن ترك جورناله يتوسط المكتب

أرجع انا متصفحا لاحد كتاباتي فيباغتني بعد ان يدفع الباب بظهره مترجيا يا أمين فلتبحث على صفحات الانترنت عن معنى كلمة ليكود فأهز له رأسي أطمئنه انني سأجدها ان شاء الله ثم يمضي ويتركني اتسائل الهذا الحد شيقة هذه اللعبه أخذتني نفسي أن اذهب الى الجورنال المتروك على المكتب لارى ماهذه اللعبة التي تصل بفكر الانسان الى هذا العناء والجهد حتى أجد حروفا زرقاء وحمراء هي التي خططها سيدي عيد وهو منتهي تماما من اللعبة وهناك توجد كلمة محبرة تسمي (تكتل) أدركت حينها انها هي معنى كلمة( ليكود ومكتوبه بشكل عكسي بالفعل)

فاستدرت وانا في حيرة لماذا إذن قد سألني عنها وهو بالفعل قد انهى اللعبة لكن سرعان ما ان نصرفت من المكتب وعلامات الدهشه قد اختفت من على وجهي فهذا التعلب العجوز قد أدرك جيدا ماذا يفعل المهندس الصغير الذي يجلس أمامه !!

ليست هناك تعليقات: